منتدي أسرة الانبا صرابامون الاسقف والشهيد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    معنى الارتباط الزوجى

    avatar
    admin
    Admin


    عدد المساهمات : 22
    تاريخ التسجيل : 05/10/2009

    معنى الارتباط الزوجى Empty معنى الارتباط الزوجى

    مُساهمة من طرف admin 2009-10-24, 8:34 pm


    لغوياً نلاحظ أن كلمة "ارتبط" تعنى اتفق والتزم، فنقول: ارتبط شخصان، أى اتفقا على أمر ما والتزما به، ونقول: أن هناك "رابطة" بين شخصين، أى أن بينهما علاقة شخصية.
    يُعتبر الإرتباط الزيجى ارتباطاً حميماً من أقوى الرباطات الإنسانية، حتى ليذهب سفر التكوين إلى اعتباره اتحاداً كيانياً فوق العادة، حيث "يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً" (تك 24:2).. وتعبير "جسد واحد" لا يعنى بالطبع "جسم واحد"، بل يعنى كياناً بشرياً متّحداً ومتكاملاً، بلا امتزاج ولا فقدان للتمايز الشخصى الخاص بكل منهما، وهذا الكيان المتكامل يتكون وينمو بقدر التوافق العقلى، والعاطفى، والإرادى، والروحى.
    فى رسالة فيلبى عبارات رائعة تعبّر عن فكرة "الجسد الواحد" سواء بالنسبة للمؤمنين كأعضاء فى جسد المسيح، أو بالنسبة للزوجين اللذين يعيشان حياة الجسد الواحد..
    "تمموا فرحى حتى تفتكروا فكراً واحداً، ولكم محبة واحدة، بنفس واحدة، مفتكرين شيئاً واحداً. لا شيئاً بتحزّب أو بعجب بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم. لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضاً" (فى 2:2-4).

    الارتباط الزيجى - إذن - هو علاقة من أقدس وأبهج العلاقات الإنسانية، إنه امتزاج حياتين، واتحاد قلبين بدرجة تمكّنهما من تسلّق جبل الحياة معاً، وحمل أعبائها، وتقاسم مباهجها وأحزانها.

    إن الارتباط الزيجى يشمل معانى عدّة، تتداخل وتتشابك فى نسيج من أرقى الأنسجة، تُضفى على هذا الارتباط خصائص متمايزة..

    خصائص الارتباط الزيجى
    1- الارتباط الزيجى وعد اختيارى بين اثنين، رجل وامرأة، فيه يعطى الواحد قلبه للآخر عطاء فيّاضاً.. والعطاء هنا ليس وليد حالة إنفعالية مؤقتة، بل نتيجة محبة عميقة لشخص آخر، وقبول واعٍ له بالحالة التى هو (هى) فيها الآن، وتعهّد ملتزم بقبوله على المدى الزمنى بالحالة التى سوف يؤول إليها مستقبلاً.. "هى قرينتك وامرأة عهدك" (ملا 14:2).

    2- والارتباط الزيجى قرار مصيرى يتعلق بالبقية الباقية من عمر الفرد، حيث يرتبط مصير كل شريك بالآخر ارتباطاً نهائياً، ويندرج تحت معنى "مصير" كل من المستقبل الزمنى والأبدى، الزمنى بكل ما فيه من مكاسب وخسائر، قرارات ومشروعات، مفاجآت وطوارئ، والأبدى بكل ما يستلزمه من استعداد مشترك بالجهاد الروحى الزيجى.. وما الزوجان إلا اثنان ينظران فى اتجاه واحد صوب المستقبل، يشد كل منهما أزر الآخر، من مواجهة متطلبات الحياة ومتاعبها، ويحملان معاً أثقالها، وينهضان بأعبائها، تماماً مثلما يسعدان معاً ببهجة الحياة المشتركة، ويستمتعان بأفراحها، وفى هذه وتلك يطلبان وجه الله، وينشدان إرضاءه.

    3- الارتباط الزيجى - إذن - مسئولـية
    والتزام، يحتاجان للقيام بهما شخصاً علـى
    درجة كافية من النضج. فالزواج طريـق
    الساعين نحو النضج، نضج العقل والعاطفة والروح، ونضج الخبرة الحياتية، والقدرة على صنع القرار، ونضج القدرة على تحمل المسئولية، والإلتزام بها بكل تبعاتها.

    4- والارتباط الزيجى صداقة ورفقة، ويمكننا أن نلمس احتياج آدم الشديد إلى رفيق نظيره، حينما تعامل مع كل مخلوقات الله "وأما لنفسه فلم يجد معيناً نظيره" (تك 20:2)، الزواج - إذن صداقة ورفقة وصُحبة..
    إن العقد المكتوب يمكن أن يجعل الطرف الآخر "زوجاً"، ولكن ليس بالضرورة "رفيقاً".. والسؤال الذى ينبغى أن يسأله كل شخص مقبل على الزواج هو: هل يصلح هذا الشاب أن يكون لى رفيقاً متفاهماً؟ وهل تصلح هذه الشابة أن تكون لى صديقة تتحاور معى وتساندنى فى ظروف حياتى المختلفة؟

    5- الارتباط الزيجى - إذن - تفاهم وتناغم، وتكيّف مع طباع الآخر، وتوافق بين اثنين مختلفين، والتوافق برغم الاختلاف ليس له دافع سوى المحبة التى تتأنى وترفُق، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تظن السوء، وتحتمل كل شئ، وتصبر على كل شئ (1كو 4:13-7).
    6- الارتباط الزيجى أيضاً تكامل بين شريكين، بشرط أن يكونا متناسبين، والتكامل هنا هو أن يضيف كل منهما للآخر بُعْداً ما ينقصه، وبالتالى يضفى حضور الواحد معنى عميقاً على حياة الآخر، ويساهم فى تحقيق استقرارها.. وهذا المعنى يمكن استخلاصه من إحساس آدم بحضور حواء فى حياته، منذ أن رآها للمرة الأولى، وبرغم كون حواء كائناً مستقلاً عن آدم، إلا أنه شعر بأنها "عظم من عظامه ولحم من لحمه" (أى خارجة من أعماقه)، ولذلك "يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" (أى تعود إليه حواء مرة أخرى بحركة تكامل واتحاد).. حواء - إذن تكمّل آدم بطبيعة خلقتها منبثقةً من كيان آدم الداخلى، وهو - من الناحية الأخرى - يكمّلها. ولذلك سميت "امرأة" لأنها مأخوذة من "امرء" (تك 23:2).. وفى النص العبرى الأصلى لسفر التكوين نجد امرء، وامرأة، فهى منه وإليه. ونلاحظ أن التكامل بين الزوجين ليس مجرد تكامل وظيفى (أى تكامل الأدوار فى العمل الأسرى)، إنما هو أيضاً تكامل عقلى، عاطفى، روحى، جسـدى، واجتماعـى،
    ويمكن تمثيل التكامل الإنسانى الذى
    يحققه الزوجان بثمرة البرتقال، التى
    تم قطعها بشكل غيـر منتظـم إلـى
    نصفين مختلفين شكلاً ولكنهما متساويان
    وزناً، وحينما يتقاربان ويتلامسان تتكون منهما ثمرة متكاملة.
    7- الارتباط الزيجى - إذن - ليس شركة بين اثنين متماثلين، إذ يستحيل أن يوجد هذا التماثل فى الواقع العملى، فالشخصيات تختلف وتتمايز وتتفرّد حتى يسهل عليها أن تتقارب وتلتقى وتتكامل، وتلك متعة أن اكتشف "الآخر" فى اختلافه "عنّى"، ومن ثم أتفاعل معه بطريقة جديدة، تناسب طبيعة شخصيته، وهكذا ينمو كل منا بسبب محاولته المستمرة اكتشاف الآخر.. وكثيراً ما يؤدى التماثل إلى نوع من التنافر، تماماً مثلما يتنافر قطبان مغناطيسيان متماثلان، والعكس صحيح حيث تتجاذب الأقطاب المختلفة.
    8- الارتباط الزيجى هو بداية حركة نمو مشترك لا يتوقّف، نمو فى تجاوز "الأنا" عبوراً إلى "الآخر"، نمو فى المحبة، نمو فى التفاهم، والتكيّف الزيجى، نمو فى الصداقة الزوجية، نمو فى التضحية والبذل، ونمو فى الاتحاد الزيجى، ويسير كل ذلك جنباً إلى جنب مع النمو الروحى المشترك، أى نمو العلاقة الشخصية مع الله، وهو مجال لا نهاية له حيث ينموان "إلى قياس ملء المسيح" (أف 13:4-15).
    9- الارتباط الزيجى - إذن - هو النمو فى الاتحاد الداخلى بين الزوجين، (الاتحاد القلبى) أى النمو فى حالة "الجسد الواحد" بكل ما للجسد الواحد من سمات، أهمها:
     وحدانية الفكر.. بمعنى التفاهم برغم اختلاف وجهات النظر، اتفاق دون أن يلغى الواحد فكر الآخر أو يسلبه حرية التعبير عن رأيه.
     وحدانية القلب.. بمعنى المحبة التى لا تطلب ما لنفسها (1كو 5:13) وتقدم الآخر عن الذات فى الكرامة (رو 10:12)، بل وتحسب الآخر أفضل من الذات (فى 3:2).
     وحدانية الروح.. بمعنى الهدف الروحى المشترك، والجهاد الروحى المشترك (الجهاد الزيجى).

     وحدانية الهدف والمصير على البعد الزمنى.. بمعنى ديمومة الحياة الزوجية عبر الزمن، واستمرارها فى مواجهة كل متاعب الحياة.
    10- الارتباط الزيجى هو أولاً وآخراً شركة بين رجل وامرأة أسسها الرب الإله نفسه منذ البدء، فهو ليس رباطاً اجتماعياً فقط، بل رباطاً إلهياً إنسانياً أيضاً، ولذلك فإن الزواج فى أصالته ترتيب إلهى "فالذى جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مت 6:19).. ومن ثم ينبغى أن يكون زواجنا اليوم وفق إرادة الله، بأن نتيح له فرصة الحضور معنا، ونطلبه بكل قلوبنا، فيكون هو حقاً الذى يجمع الاثنين فى كيان إنسانى، روحانى، متناغم.
     كنا آنفاً مع محاولة وصف معانى الارتبـاط
    الزيجى، هذا الارتباط المصيرى الذى يصعـب
    إنجاحه دون أن يكتسب كلا الشريكين استقلالـية
    داخلية، نابعة من نضج كاف للشخصية.. وسـوف
    نقوم معاً - عبر الأبواب التالية من هذا الكتـاب -
    برحلة نحو النضج اللازم للشخصية بوجـه عـام،
    وللارتباط الزيجى بوجه خاص.


    إعداد: د. عادل حليم

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-05-07, 3:46 pm